الزلازل بين إنذار السماء وتقلبات الأرض: قراءة شاملة لظاهرة بدأت تطرق أبواب مصر
✍️ بقلم: المستشار القانوني عمر عبدالحميد الصفتي
رغم أن هذه المدونة متخصصة في القضايا القانونية المصرية والعربية، إلا أن ظهور نشاط زلزالي ملحوظ مؤخرًا في مصر – وتحديدًا الهزة الأرضية التي شعر بها عدد كبير من المواطنين – يدفعنا للحديث عن هذه الظاهرة الاستثنائية. ليس فقط لأنها أصبحت مصدر قلق شعبي، ولكن لأنها قد تطرح مستقبلاً تساؤلات قانونية تتعلق بالسلامة العامة، المسؤولية المدنية، وتخطيط المدن.
من هنا تأتي أهمية هذا المقال، الذي يجمع بين النظرة الدينية، والعلمية، والجيولوجية، والفيزيائية، مع لمحة عن تأثير النشاط البشري، لنحاول معًا فهم: هل ما نشهده غضب من السماء؟ أم حراك طبيعي من الأرض؟ وهل الزلازل في مصر أصبحت واقعًا جديدًا؟
🔹 أولًا: الزلازل في الرؤية الدينية... إنذار من الله أم سنن كونية؟
في القرآن الكريم، نجد أن الزلازل ذُكرت في مواضع مختلفة، منها قوله تعالى:
"إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" – الزلزلة: 1
ويقول الله تعالى:
"وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا" – الإسراء: 59
في السنة النبوية، ورد أن الزلازل قد تكون آية من آيات الله لتذكير العباد، أو تحذيرًا من الغفلة، أو نتيجة لما تفشى من ظلم ومعاصٍ.
لكن يجدر القول أن العلماء يؤكدون أن هذه الكوارث تدخل في إطار السنن الكونية، وقد تكون لها أسباب مادية قدرها الله، دون أن ينفي ذلك الجانب الروحي للتأمل والعودة إلى الله.
🔹 ثانيًا: الأسباب الجيولوجية... عندما تتكلم الأرض
الزلازل تحدث نتيجة حركة الصفائح التكتونية التي تُكوّن القشرة الأرضية. عندما تتصادم هذه الصفائح أو تنزلق بجانب بعضها، يتولد ضغط هائل يؤدي إلى تحرر طاقة ضخمة تهزّ الأرض.
مصر ليست بعيدة تمامًا عن النشاط الزلزالي، حيث تقع قريبة من مناطق نشطة مثل:
-
البحر الأحمر
-
خليج العقبة
-
صدع البحر الميت
وقد شهدت مصر عدة زلازل، أبرزها زلزال 1992 الذي تسبب في مئات القتلى وآلاف المصابين، فضلًا عن أضرار عمرانية جسيمة.
🔹 ثالثًا: الرؤية الفيزيائية... طاقة تختزن في الأعماق
من الناحية الفيزيائية، الزلزال ما هو إلا تحرر مفاجئ للطاقة المختزنة في باطن الأرض نتيجة الإجهادات المستمرة. وتنتقل هذه الطاقة في صورة موجات زلزالية تنتشر عبر الصخور حتى تصل إلى سطح الأرض مسببة الاهتزاز.
وهناك عدة أنواع من الموجات الزلزالية:
-
موجات أولية P
-
موجات ثانوية S
-
موجات سطحية L
وكل نوع منها يسبب درجة مختلفة من التأثير على الأبنية والبنية التحتية.
🔹 رابعًا: هل البشر يفتعلون الزلازل؟
نعم. هناك ما يُعرف بـ الزلازل الاصطناعية أو المستحثّة، وهي تحدث بسبب:
-
تفجيرات نووية تحت الأرض
-
حقن سوائل في باطن الأرض خلال عمليات التنقيب
-
ملء خزانات مياه ضخمة خلف السدود
في بعض الدول، تسببت هذه الأنشطة في زلازل حقيقية مسجلة.
وفي مصر، لا تزال هذه الأنشطة محدودة، لكن مع توسّع مشروعات التنقيب والطاقة قد يُعاد النظر في أساليب الحفر والتخزين لحماية البيئة الجيولوجية.
🔹 خامسًا: هل الزلازل أصبحت واقعًا دائمًا في مصر؟
رغم أن مصر لا تقع على حزام زلازل نشط، إلا أنها ليست بمنأى عنه.
تشير تقارير المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية إلى أن هناك:
-
نشاط زلزالي ضعيف إلى متوسط على فترات متقطعة.
-
بعض المناطق مثل أسوان، خليج السويس، البحر الأحمر، شرق القاهرة تُعد أكثر عرضة للهزات.
وتسعى الدولة حاليًا إلى تحديث أكواد البناء المقاوم للزلازل، وتحسين نظم الإنذار المبكر، وتدريب فرق الدفاع المدني.
🔹 سادسًا: ماذا عن المسؤولية القانونية؟
مع تكرار هذه الظواهر، قد يظهر سؤال قانوني جوهري:
هل تقع مسؤولية قانونية على من لا يلتزم بكود الزلازل في البناء؟
هل يمكن مقاضاة جهات حكومية أو شركات بناء إذا تضرر الناس بسبب مبانٍ مخالفة للمعايير؟
هنا يظهر دور القانون في حماية الأرواح والممتلكات، وضرورة سن تشريعات صارمة تُراعي التغيرات المناخية والجيولوجية.
🟢 خاتمة: بين الغيب والعِلم... الزلزال جرس إنذار
سواء كان الزلزال رسالة من السماء أو حركة في باطن الأرض، تبقى النتيجة واحدة: وجوب الحذر، والعلم، والاستعداد.
وفي ظل التوسع العمراني، يصبح من الضروري دمج المعرفة الدينية والعلمية والقانونية معًا لبناء مستقبل آمن.
📌 ملحوظة أخيرة:
هذه المقالة ليست خروجًا عن مسار المدونة القانوني، بل تأكيد على أن القانون يجب أن يُواكب الحياة بكل مستجداتها، خاصة تلك التي تمسّ سلامة المواطنين.
وإذا كنت بحاجة لاستشارة قانونية متعلقة بسلامة المباني أو المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية، يمكن التواصل مع المستشار القانوني عمر عبدالحميد الصفتي، المختص بالقانون المصري والعربي.
تعليقات
إرسال تعليق
إذا أعجبكم المقال، لا تترددوا في ترك تعليق أو رسالة لتشجيعنا